عدد الزيارات : 2571
المقالات الروحية 15 تشرين ثاني 2016


الاعتراف بالإيمان

الأب فادي حلاوة

تدرك الكنيسة واجباتها في الاعتراف بالإيمان أمام الناس فتنقل إليهم حقيقة ما تؤمن به من أجل خلاصهم. كل عملها الرسولي يهدف إلى ذلك، ما يهمنا هو أن هناك الايمان الأب فادي حلاوةاعترافًا بالإيمان تقوم به الكنيسة في قلب الجماعة عينها من أجل بنيان شعب الله وتثبيته على الإيمان، يدخل هذا الواجب في نطاق وظيفتها التعليمية التي تشمل كل الحقائق الواجب الاعتراف بها، وأن ميزة الاعتراف بالإيمان في الكنيسة، أي في الجماعة، أنه يشير إلى وحدة شعب الله. فعندما تجتمع الجماعة لتصلي وتقرأ الكتاب المقدس، فكلمة الله والصلاة التي تقال وما تحمل من معانٍ، تشير إلى فعل الخلاص وما صنعه الله معنا، فهذه كلها مواضيع من خلالها تعترف الكنيسة بإيمانها كجماعة واحدة. من جهة حق الإنسان بالتعبير عن إيمانه وإعلان هذا الإيمان علانية، يتصل الاعتراف بالإيمان بحق الحرية الدينية، يمكن في ظروف استثنائية (اضطهاد…) الاستغناء عن الاعتراف بالإيمان الذي هو اعتراف علني لعيش الإيمان بصورة سرية خفية.   واجب الاعتراف بالإيمان هو واجب مطلق وفي جميع الظروف. من هنا ندرك أهمية نداء الكنيسة باحترام الحرية الدينية عند كل الشعوب، ففي قلب الاضطهاد الذي يعكس الاعتراف، هناك تشديد على قوة الإيمان.

إعاقات الاعتراف بالإيمان

في البدء قد يكون الإطار الاجتماعي الذي يعيش فيه الإنسان. وقد يكون من عدة نواحي.

1- الصعوبات المتعلقة بالشخص ذاته

الايمان الأب فادي حلاوةأحيانًا نلاحظ أن صعوبة الاعتراف بالإيمان تنبع من نوع من الخجل تجاه إيمانه ربما لأنه يظن أن إيمانه أصبح من الأمور التي لا تتماشى مع العصر، أصبح شيء قديم يسبب نوعًا من الحياء في المجتمع إذا أردت أن تتحدث به. بمجرد ما تلفظ اسم يسوع في مجتمع صحبة أو رفقة قد تخاف أن تكون ردة فعل الآخرين استهزاء وسخرية، والخجل هنا: إمّا يعود إلى ضعف الإنسان النفسي في مواجهة الآخرين، أو يعود إلى ضعف العلاقة بين المؤمن وحقيقة إيمانه، لم يتوصل إلى أن يكتشف ثقل الإيمان في حياته، وجواب الإيمان وقوته في حياته، لأن كل إنسان يعيش غذاء الإيمان الحقيقي، فإنه لا يستطيع أن يتنكر لهذا الإيمان.

أن تقول إيماني لا يتماشى مع هذا العصر، فهذا جواب ساذج وليس له فائدة، إنما الجواب الحقيقي هو أنك لم تكتشف بعد معنى الإيمان الحقيقي في حياتك، ماذا تقول؟ أو ماذا تنقل للآخر؟

حضور الجماعة الكنسية أساسي جدًا في بداية المسيرة، تأمين الأطر المناسبة التي تقوي علاقة الشاب بكنيسته في كل المواضيع: الأسرار، اللقاءات، النشاطات المختلفة… نجد أن الأشخاص العائشين إيمانهم بصورة صحيحة يعبرون عنه دون حياء أو خجل في المجتمع.

2- الاعتراف بالإيمان بصورة مبالغ فيها

الايمان الأب فادي حلاوةوهذا ما نجده في بعض البدع المعاصرة، شهود يهوه، هذه الصورة لا تكون فقط من أجل نقل خبرة ما، أو عرض لشهادة المسيح أمام الآخر. الغاية الخاطئة للاعتراف بالإيمان إذا صح التعبير أنك تقول إيمانك بنية وواجب أكثر منها بنية الشهادة، أو تريد من الآخر أن يقبل ما تقوله بالقوة، وتفرح بأنك استطعت أن تقنع (فلان). من الناحية الرعوية أصبحنا أكثر تفهمًا لواقع الإنسان وحياته، فالإنسان الذي يقوم بنقل هذا الاعتراف، عليه أن يعرف أنه يقوم بذلك أمام آخر له ظروفه.

الاعتراف بالإيمان يحمل خلفية عرض ما أعيشه من خبرة ضد أية غاية أخرى، ليست غايتي المباشرة أن أجعل الآخر يؤمن بما أقوله أنا، الإيمان هو تفاعل بين استعداد الإنسان ونعمة الله، هو تعبير عما أعيشه أنا. لذلك هذه الصعوبة تتنكر لمسيرة الإيمان، الإيمان يحتاج إلى وقت، لذلك الكنيسة بكل بساطة تعلن حقيقة المسيح وهي لا تنتظر من العالم أن يؤمن بهذه الحقيقة بين ليلة وضحاها. لا يجوز أن يتحول الاعتراف بالإيمان إلى ضغط وإكراه، خصوصاُ في عصرنا الذي فيه نؤمن بالإنسان وبحريته. علينا أن نضمن حرية الإنسان لكي يأتي جوابه جوابًا شخصيًا.

3- الشهادة للإيمان

الشهادة هي موقف ينقل من خلاله المؤمن اعترافه بالإيمان من مستوى الكلمة إلى مستوى الفعل، وهو يدل على التناغم الداخلي في شخصيته بين موضوع الإيمان وغايته. الشهادة هي أوسع من الاعتراف، لأنه إذا حللنا الاعتراف يمكن أن نقول عنه إنه شهادة بالكلمة، فالشهادة تطال الحياة بجملتها، أنت تسعى إلى أن يكون موقفك وتصرفك شهادة لإيمانك، لذلك قد تشهد للمسيح بدون كلمة، بحركة، أو بنظرة.

الايمان الأب فادي حلاوةالشهادة هي تشير إلى هذا التناغم الداخلي، لأن ثمرة الحقيقة التي تؤمن بها هي أن تسمح لك بأن تعيشها، فإذا عدنا إلى الخلق، ثمرة الكلمة هي الوجود. المؤمن المسيحي يسمع الكلمة ويعيشها، هذا هو التناغم، وهو صعب جدًا، ولكن في كل مرَّة يشهد المؤمن لإيمانه فإنه يصل إلى قمة الشهادة، فلا شهادة صحيحة بدون ربط الكلمة بالفعل. في حياة المسيح، عندما ينقل لنا الإنجيلي المعجزات التي فعلها يسوع من خلال الكلمة، لا نستطيع أن نتصور إنجيلًا كله كلمات وليس فيه أفعال.

المؤمن لا يعيش مع المسيح حياة شخصية بمعنى أنها حياة له وحده، لا يوجد اختبار شخصي إلاَّ بمقدار ما يتحول إلى شهادة أمام الآخرين، حياة المسيح هي شهادة لأنها أعلنت للناس، هي موضوع نظر ورؤية للآخرين. لذا كان الاعتراف الذي يتصل بالكلمة يحتاج إلى فعل عقلاني يتجسد في عملية تفسير وتحليل للحقيقة، فالشهادة هي فعل تطبيقي وعملي يستخدم معطيات الحركة والجسد ويوظفها في إطار علاقة شخصية مع الآخرين. من هنا ندرك أهمية أن تكون الشهادة ثمرة المحبة لأنها في صلب هذه العلاقة مع الآخر لا يمكن أن تكون صحيحة إلاَّ إذا كانت نابعة من محبة الآخر.

يمكن أن نطرح هنا سؤالًا أساسيًا، هل الشهادة توضح مسألة الاعتراف بالإيمان بحيث تجعل منها أكثر قوة وفاعلية؟ في مسيرة الإيمان لا شك أن الكلمة لها قوة (الكلمة تربي، توجه…) هذه الكلمة تستمر في لعب دورها عندما تحول حياة المؤمن إلى حقيقة معاشة، من هذه الزاوية الكلمة تصبح في حياة المؤمن شهادة. من هنا يمكن أن تجمع بين فكرة الشهادة وشخصية الشاهد: الشهادة تحمل معنى المرجعية التي هي حقيقة يسوع، مضمونها نابع من حياة المسيح، من تفصيل ما في الحياة (فعل الرحمة هو شهادة ) ولكن تبقى الشهادة اقل تعبيرًا ولا تصل إلى القوة التي تحملها كلمة الشاهد التي لها معنىً شخصيًا يطال الشخص بكامله، معنىً وجوديًا.

المؤمن يعيش كل أبعاد حياته من خلال عودته أو لقائه بحقيقة المسيح، اتحاده بها. الوحدة القائمة بين المسيح الابن والآب، بمعنى أن ما يريده الآب ينفذه المسيح، لذلك يستطيع يسوع أن يتخذ حقيقة الشاهد وبالتالي فإن التلميذ عندما يعمل ما يريده المسيح يصبح شاهدًا، بعيدًا عن الظرفية، لذلك أكثر مما هي فعل فقط، حالة الشاهد هي ثمرة حياة كاملة يعيشها المؤمن برفقة المسيح بالصلاة والتأمل…

والشاهد أيضًا يجعل مصداقية المسيح وما يحمل من حقيقة للإنسان صحيحة، إذا السعي للانتقال من مستوى الاعتراف بالإيمان إلى مستوى الشهادة، يتطلب من المؤمن أن يجعل حياته تحت مجهر الإيمان. لا يستطيع الشخص أن يكون شاهدًا وهو يخفي حقولًا في حياته لأنها بعيدة عن الإيمان ولا علاقة له بها، الشاهد يجب أن تكون حياته واضحة، ويملك الجواب لكل التساؤلات التي تطرح عليه. قوة الشاهد هي في أنه قبل أن يشهد، يجب أن يكون واضحًا وراسخًا بالحقيقة. إن ميزة الاختبار تقف وراء حقيقة الشاهد الذي اختبر إيمانه، دخل في سلسلة اختبارات حياتية زادته ثقة بالمسيح، وقناعة بأن المسيح هو مخلصه ومخلص الإنسان.

الايمان الأب فادي حلاوةبما أن الشهادة ملتصقة تمامًا بالحياة، فهي بحاجة إلى الاختبار الحياتي لتكون واقعية. هنا يصبح تأثير مباشر من الشاهد الذي يعيش ثمرة اختباراته الشخصية مع يسوع على الاعتراف بالإيمان، يصبح أقوى وسريعًا أكثر لإيصال الشهادة (ذاك الذي رأيناه…)، الأثر المباشر الذي يبقى في ذاكرة المؤمن هو أثر الاختبار. من خلال الاختبار تصل إلى كشف سر المسيح وحقيقته. لذلك ما يعيشه المؤمن من خلال الشهادة لا يستطيع أن يراه في أي إطار آخر، ما هو هذا الذي يعيشه المؤمن؟ لا يحتاج المؤمن إلى الآخر لكي يدخل في معرفة يسوع، أنت تعرف حقيقة يسوع، يمكن الوصول إلى ذلك من خلال الأنبياء، كلمة الله، الكنيسة، التعليم… ويمكن أن تعرف يسوع كما تعرف أي موضوع آخر في الحياة، لا تحتاج بالمطلق للآخر في حياتك، أما الشهادة فميزتها أنها تجعل من الآخر مادة لاكتشاف حقيقة الحياة التي قدمها يسوع لنا، تجعل من الآخر مادة "الوحي". "الآخر يوحي بما له من خصوصيات، يوحي قوة الاختبار الذي يعيشه المؤمن، لأن الإنسان وحده بما فيه من بُعد سري قادر أن يكشف لنا، أو يساعدنا على أن نكتشف وجه الله. الحركة أو الحياة التي يظهرها الإنسان خصوصًا فيما يحمل من بُعد عميق يصل به إلى جذوره، أي إلى الله، دائمًا هو مصدر أو إطار للوحي ولتجديد الشهادة. إذا عرفت شيئًا وانتهت معرفتك له، لست بحاجة بعد إلى أن تدخل معه في علاقة، إن من جهة المعرفة وإن من جهة الشهادة، لأنها ستصبح بالنهاية عقيمة، طالما الإنسان الآخر لا يريد أن يعرف أو يكتشف المسيح ولا مجال للتحول في حياته، يكفي أن تعطيه بعض الأمور الصغيرة التي تتماشى مع محيطه…

عليك أن تكون في علاقة دائمة مع الآخر الذي يحتاج دائمًا إلى أن يفتح على الله وإلى أن يبلغ إيمانه بالاعتراف، نحن في علاقة مع حقيقة نريد أن نعلنها، ولكن بالشهادة نحن في علاقة مع آخر، وجهه دائمًا يدعونا إلى الشهادة أمامه (لا ننسى أن هذه الشهادة تسير برفقة الإنسان وتسير حتى النهاية). تعدد الوجوه يجعلك تشهد دائمًا وكأنك تصبح بالنهاية أمام صورة واسعة لبشرية تسير إلى بلوغ الإيمان، فهي بحاجة إلى شهادة حية ومؤثرة.

نشر الإيمان هو من واجب الجماعات التي تؤمن بيسوع المسيح. هناك تداخل في نشر الإيمان بين المؤمن الفرد والمؤمنين كجماعة، وفي الواقع، إذا عدنا إلى دعوة يسوع ووصية لتلاميذه، هناك مجال للتمييز بين جماعة التلاميذ وجماعة المؤمنين بصورة عامة، بحيث أن التلاميذ هم المسؤولون المباشرون عن مهمة نشر الإيمان وان كانت هذه المهمة اتسع مداها البشري بحيث يمكن أن تكون مهمة كل مؤمن.

  

تابع أيضاً

رح نرجع نعمرها

صاحب الغبطة وصاحب السيادة يحتفلان بالقداس الإلهي في كنيسة القدّيس ....

10 تشرين ثاني 2020
عيد القدّيسة صوفيا وبناتها إيمان ورجاء ومحبّة

صاحب الغبطة يحتفل بعيد القدّيسة ....

17 أيلول 2020
عيد الصليب المقدّس

صاحب الغبطة يحتفل بعيد الصليب المقدّس في بلدة معلولا - ريف ....

14 أيلول 2020
ميلاد السيّدة العذراء

صاحب الغبطة يحتفل بعيد ميلاد السيّدة العذراء في كاتدرائيّة ....

8 أيلول 2020
عيد رُقاد وانتقال السيّدة العذراء

صاحب الغبطة وصاحب السيادة والكهنة يحتفلون بعيد ....

15 آب 2020
نداء

صاحب الغبطة يوجّه نداء عالمي لدعم أهل بيروت عقب تفجير مرفأ بيروت

12 آب 2020
يوم افتقاد

صاحب الغبطة يتفقّد المتضرّرين من جراء كارثة مرفأ بيروت

8 آب 2020
عيد التجلّي

صاحب الغبطة وصاحب السيادة يحتفلان بقدّاس عيد تجلّي الرب في كاتدرائيّة ....

6 آب 2020
يا والدة الإله الفائقة القداسة خلصينا

صاحب الغبطة وصاحب السيادة يحتفلان بالقدّاس ....

2 آب 2020


تابعونا على مواقع التواصل الأجتماعي

© 2024 -بطريركية الروم الملكيين الكاثوليك