عدد الزيارات : 2974
اخترنا لكم 19 تشرين ثاني 2016

 

المكانة الروحية لسوريا

في التاريخ القديم

بقلم الدكتور اليان مسعد

 المكانة الروحية لسوريا القديمة اليان مسعدتحتل سوريا مكانة فريدة في تاريخ العالم وكان فضلها من رقى البشرية فكريا وروحيا من الضخامة بشكل لم يستطع أي بلد القفز فوقه وسوريا التاريخية تشمل فلسطين والأردن وسوريا الحالية  لبنان وغرب ايران وجنوب تركيا وهي مهد الديانات؛ فاليهودية ولدت في بيئتها وهي مكان مولد المسيحية، كما أثَّرت سوريا بعمق لا يمحى ولا يخطئه العقل وكذلك على المحمدية فمحمد قضى نصف عمره ذاهبا راجعا الى سوريا وبشكل سنوي والانسان المتمدن والمثقف يعرف تمام المعرفة أنَّ سوريا هي بلده وهي كذلك بلد الآرامي التائه (أبرام التوراة) فإسحق يقول عن إبراهيم (أبي كان آراميًا تائهًا) وهي نفسها سوريا أورشاليم من عرفتهما التوراة بالقول (أبوك أموري وأمَّك حثّية) .

وتتصل الرسالة الأخلاقية التي حملتها سوريا بكون شعبها بمسمياته المختلفة هو أول من نشر مبدأ أنَّ الإنسان خُلق منذ البدء على صورة الله، وأنَّ الإنسان أخ للإنسان بسبب هذه الأبوة الإلهية مؤسِّسًا للحياة الديمقراطية التي برز فيها اليونانيون لاحقًا في أثينا. كما أكد هذا الشعب السوري على أهمية القوى الروحيَّة للإنسان وعلى حتمية فوز قوى السلام والعدالة والتحضر بالنهاية على قوى الظلم والشر والظلام فقد كان الشعب في سوريا المعلم الأخلاقي الأول للبشرية ولكن كيف؟

السوريون القدماء ابتدعوا أفكار رفيعة ولكن الأهمَّ اخترعوا وسيلة التعبير عن هذه الأفكار وهو اللسان واللغة بعلامات بسيطة سهلة وعملية ويمكن تدوينها على رق الغزال أالمكانة الروحية لسوريا القديمة اليان مسعدو البردي بدلًا من الحجارة الالواح الطينية وابتكروا العلامات البسيطة التي نسيمها الأبجدية مبسطين الطرق المعقدة للكتابة المسمارية لدى البابليين. فقد تمكنوا من ابدال أبجدية أوغاريت المكتوبة بالعلامات المسمارية ال ٢٨ والتي طور الآراميون كتابتها ب ٢٢ حرفا فقط ونقلوا البشرية إلى آلية تعبير كتابية سهلة يتعلمها أي كان خلال أسبوع، ويبدأ بالكتابة بها، كما يلفظ بلغته الام أي كانت لغته، وانتقلت وسيلة التعبير تلك غربا عبر أشقاءهم البحارة الكنعانيون الفينيقيون إلى اليونان والرومان وكل شواطئ الأبحر الأعلى، بحر أمورو العظيم (البحر الابيض المتوسط) ثم لشعوب أوروبا الحديثة. وقام الآراميون بنقلها شرقا لشعوب بلاد الرافدين من آشوريين وبابليين وكلدان وإلى فارس عبر الأبجدية البهلوية وللأرمن والجورجيين، وكذلك للهنود عبر السنسكريتية ولشرق أسيا والصين وكوريا حيث نشرها الرهبان التيبتيين بالصين وبهذا تكون الكتابة الآرامية قد دارت مع الزمن دورتها الكاملة حول الأرض. فمنذ العصر الآشوري ورغم العلاقات السياسية والعسكرية المأزومة بين الأشوريين في العراق والآراميين والعبرانيين في سوريا نشاهد نقشًا آشوريًا في نينوى يصوّر آراميًا يمسك قلمًا ولوحًا من رقّ الغزال ليدوّن وبأبجديته الغنائم التي حصل عليها الإمبراطور الآشوري تغلات بلاسر الثالث (٧٣١سنة ق. م) من إحدى المدن المحتلة في سوريا والى جانبه كاتب آخر، يدّون المعلومات نفسها على قالب من الطين بالمسمارية وتغلات بلاسر الثالث هو من جعل الآرامية لغة البلاط والسياسة (الرسم موحود في متحف بغداد ومأخوذ من قصره في نينوى) ثم أصبحت الآرامية بفضل التجار السوريين لغة التجارة الدولية من الهند وحتى جنوب إسبانيا، أما في عهد داريوس الكبير الملك الفارسي فقد أصدر قانونا باعتبارها المكانة الروحية لسوريا القديمة اليان مسعداللغة الرسمية للإمبراطورية الفارسية وسميت بالآرامية الإمبراطورية، وكل مراسلات البلاط مع المقاطعات تتم فيها حتى لا يضطر تراجمة الإمبراطور لاستعمال أكثر من لغة وهكذا أصبحت الآرامية لغة السياسة والتجارة أيضا من الهند وحتى الحبشة وهذا انتصار كبير للسوريين حيث حققوا فتحًا لغويا وتجاريا كبيرا لا قبيل له بالتاريخ، وذلك بأن انتصروا ثقافيًا ولغويًا و تجاريًا على من هزموهم عسكريا من آشوريون وفرس. وحين وصل الإسكندر المقدوني واحتلَّ سوريا والعراق ووصل للهند، وجد أنَّ هنالك لغة توحد هذا العالم القديم واصطحب معه كتائب من راكبي الجمال من الضمير وجيرود وكتائب من رماة النبال والمقاليع من القلمون ومعلولا ورافقه تراجمة آراميين وصل بهم إلى أفغانستان وهم من أطلقوا على جبال قندهار الكلمة الآرامية (طورا بورا) وتعني بالآرامية الجبال الجرداء، فحين وصل إلى افغانستان وجد جبل طورا بورا محتفظا باسمه الآرامي و يعني الجبل الاجرد مع التنويه أن هذه اللغة بأبجديتها السهلة أصبحت اللغة النهائية كتابة ومحادثة للعبرانيين وأُطلق على تلك اللهجة آرامية سوريا الفلسطينية والتي سيتكلم بها المسيح وكل الكتب اليهودية المقدسة بعد السبي البابلي (التلمود)كتبت بها وأخيرًا تبنَّى العرب الأبجدية النبطية المربعة المأخوذة عن الآرامية وكُتب القرآن بها.

المكانة الروحية لسوريا القديمة اليان مسعدأمّا الأرمن والفرس والهنود فأبجديتهم من مصادر آرامية، مثلا في فارس البهلوية والسنسكريتية بالهند والتي وصلت إلى الصين وكوريا كما أن تدمر كانت تستعمل الآرامية وكذلك دورا أوروبوس على الفرات وبترا والرها والحضر. واعترف اليونان بفضلنا حيث كتب أحدهم على قبر زينون الفيلسوف اليوناني من أصل سوري (إذا كانت بلادك الأصلية هي فينيقية فهل يجب أن يضيرك هذا بشيء ألم يأت قدموس من هناك وهو الذي أعطى لليونان كتبها وكتابتها). ولا يمكن نسيان الإسكندر المقدوني فهو خير مثال على انسجام الحضارات وامتزاج الشرق بالغرب حين أقام مأدبة حضرها تسعة آلاف مقدوني ويوناني وسوري وفارسي على ضفاف دجلة على الحدود السورية العراقية حاليًا وصلَّى بينهم لأجل وحدة الكون ودولة مشتركة مستلهما من خيالهم، الأنبياء السوريون الآراميون منهم والعبرانيون متجاوزا القوميات، وبإيمان عميق بأخوَّة الإنسان للإنسان، وحاول أن يطبقه ويمازج عناصر إمبراطوريته مع بعضها بالتزاوج. حيث أجبر ضباطه وجنوده على الزواج من فارسيات وسوريات وابتدأ بنفسه وشجع النزوح والسكن المختلف وعندما أتى المسيح بعد ثلاثة قرون كان الطريق قد عبَّده الآراميون السوريون له وانطلقوا به ليبشروا العالم وأول أثر مسيحي مكتوب في العالم وُجد مكتوبًا بالآرامية على جدار مسكن من حجر كان يستعمل كنيسة في الهند بمدينة بومباي وعُثر عليه مؤخَّرًا ويعود لعام (٧٩ ميلادي) وتكلَّم المسيح ورسله بهذه اللغة وكُتب الإنجيل الأول بها، قبل أن يُترجم لليونانية القديمة. فمن الآموريون في مدينة إيبلا بسوريا إلى الحوريين إلى ماري على الفرات إلى الآراميون بدمشق وحلب ودجلة وبابل وحران التي تعني الطريق بالآرامية، وهي فعلاً على طريق التجارة الدولية، وحرَّان نفسها الذي نشأ بها أبرام قبل أن يُهاجر لجنوب المكانة الروحية لسوريا القديمة اليان مسعدفلسطين ومنها تزَّوج سارة ومنها زوَّج ابنه اسحق من رفقه وزوج حفيده يعقوب من الأختان ليئة وراحيل وكلهم آراميون من حران (بحسب التوراة) حران الآرامية التي ستتابع نبوغها بالفلك وبالفلسفة الغنوصية وتولِّد إحدى طوائف الصابئة وأهم الطوائف الغنوصية الاسلامية (العلويون) وستنجب الكثير من النوابغ كالخصيبي وابن تيمية وهؤلاء الآراميون هم الذين نقلوا سوريا والعالم القديم من عصر أسلافهم الحوريون والأموريون البرونزي إلى سوريا الآرامية بعصر الحديد، ففي طوروس شمال سورية اكتُشف واختُرع التعدين ودُجِّنت الخيول. وفي أنطاكيا عاصمتها القديمة دُعي أتباع المسيح بالمسيحيين لأول مرة وبمدينة طرسوس شمالها وُلد ونشأ القدّيس بولس الرسول وفي ضواحي دمشق (تل كوكب - داريا) اهتدى للمسيحية وغيَّر تاريخ البشرية بهجرته الى روما.

 

 

  

تابع أيضاً

رح نرجع نعمرها

صاحب الغبطة وصاحب السيادة يحتفلان بالقداس الإلهي في كنيسة القدّيس ....

10 تشرين ثاني 2020
عيد القدّيسة صوفيا وبناتها إيمان ورجاء ومحبّة

صاحب الغبطة يحتفل بعيد القدّيسة ....

17 أيلول 2020
عيد الصليب المقدّس

صاحب الغبطة يحتفل بعيد الصليب المقدّس في بلدة معلولا - ريف ....

14 أيلول 2020
ميلاد السيّدة العذراء

صاحب الغبطة يحتفل بعيد ميلاد السيّدة العذراء في كاتدرائيّة ....

8 أيلول 2020
عيد رُقاد وانتقال السيّدة العذراء

صاحب الغبطة وصاحب السيادة والكهنة يحتفلون بعيد ....

15 آب 2020
نداء

صاحب الغبطة يوجّه نداء عالمي لدعم أهل بيروت عقب تفجير مرفأ بيروت

12 آب 2020
يوم افتقاد

صاحب الغبطة يتفقّد المتضرّرين من جراء كارثة مرفأ بيروت

8 آب 2020
عيد التجلّي

صاحب الغبطة وصاحب السيادة يحتفلان بقدّاس عيد تجلّي الرب في كاتدرائيّة ....

6 آب 2020
يا والدة الإله الفائقة القداسة خلصينا

صاحب الغبطة وصاحب السيادة يحتفلان بالقدّاس ....

2 آب 2020


تابعونا على مواقع التواصل الأجتماعي

© 2024 -بطريركية الروم الملكيين الكاثوليك