عدد الزيارات : 2557
المقالات الروحية 29 آذار 2016

عيد الشعانين

ذكرى دخول السيد المسيح إلى المدينة المقدسة أورشليم...

 الأب جان حنّا

المكتب الإعلامي أبرشية دمشقيحتفل المسيحيون في أحد الشعانين، بذكرى دخول المسيح إلى أورشليم. وقد اعتاد الناس في بعض البلدان أن يحتفلوا بهذه الذكرى بطرق تقليدية مختلفة. يذهب البعض إلى الكنائس برفقة أولادهم ويحملون الشموع المزيّنة بالزنابق والورود، كما يحمل البعض الآخر سعف النخل وأغصان الزيتون، ويسيرون مع جموع المؤمنين هاتفين: "أوصنا لابن داود، مبارك الآتي باسم الرب أوصنا في الأعالي" (مت٢١: ٩).  

 إن هذا العيد هو عيد دخول المسيح الإله الذي ظهر بالجسد إلى أورشليم. فقد جاء المسيح من الله معلماً وكارزاً. كان كاهناً ونبياً وملكاً. دعا الناس إلى التوبة والخلاص. علّمهم المحبّة، محبّة الله، ومحبّة القريب. أحبّهم، عطف عليهم وساعدهم، فرح مع الفرحين، وتألم مع المتألمين. عمل العجائب، فأشبع الجياع وسقى العطاش، شفى المرضى وأقام الموتى. ولكن جوهر رسالته كان الخلاص والفداء، فآمن الكثيرون به وبرسالته ولكن البعض الآخر لم يؤمن. وأراد الكثيرون أن ينصبوه ملكاً عليهم، لكي يمنحهم القوة والغلبة على أعدائهم. ولكن المسيح أفهمهم أن مملكته ليس مملكة أرضية بل سماويّة.

لماذا دخل المسيح أورشليم راكباً على حمار، وما هي الفكرة الأساسيّة لدخوله إلى أورشليم؟ 

المكتب الإعلامي أبرشية دمشقعندما لاحظ المسيح أن بعض الناس آمنوا به وبرسالته، وأن الكثيرين لم يؤمنوا، أراد أن يوقظ عقولهم، ويقودهم إلى الله بأسلوب جديد، فاستعمل الأسلوب الدرامي أو التمثيلي في شرح رسالته جرياً على عادة الأنبياء في العهد القديم. فعندما كان الأنبياء قديماً يشعرون بأن الكلمات أصبحت لا تجدي إزاء جمود الناس وعدم مبالاتهم بكلام الله، كانوا يلجأون إلى طرق يستطيعون بواسطتها إيصال كلمة الله وتعاليمه إلى الناس بأساليب جديدة مختلفة، وهذا ما كان يسوع بصدده، أن يجلب الناس إلى الإيمان والخلاص.

 فعند اقتراب عيد الفصح وهو أهم الأعياد الدينيّة بالنسبة لليهود - كانت المدينة المقدّسة وجميع القرى المجاورة تعج بالزوار، الذين جاءوا إلى أورشليم لإتمام واجباتهم الدينيّة. ويقدر أحد المراجع اللاهوتية عدد الذين جاءوا آنذاك إلى المدينة المقدّسة لأجل عيد الفصح بأنهم كانوا حوالي مليونين ونصف المليون نسمة، مع العلم أن البعض يعتقد أن هذا الرقم مبالغ فيه. ولم يكن هناك وقت أنسب من ذلك لكي يصل يسوع إلى الناس وبالأحرى إلى أكبر عدد منهم. فالمدينة كانت مزدحمة، وقلوب الناس في تلك الفترة كانت تتأجج بالعاطفة الدينيّة. والمعروف أن دخول المسيح إلى أورشليم لم يكن عملاً عفوياً أو وليد ساعته، إذ لا بد أن يكون السيّد قد رتبه بإتقان. وعندما كان يسوع برفقة تلاميذه والجموع حوله يسيرون باتجاه المدينة المقدّسة، عند بيت فاجي وهي قرية قريبة من أورشليم، أرسل يسوع اثنين من تلاميذه حتى يحضرا جحشاً وأتاناً ليركب عليهما ويدخل المدينة كملك وديع متواضع. وتقول القصة كما وردت في إنجيل متى: "ولما قربوا من أورشليم وجاءوا إلى بيت فاجي عند جبل الزيتون، حينئذ أرسل يسوع تلميذين، قائلاً لهما: اذهبا إلى القرية التي أمامكما، فللوقت تجدان أتاناً مربوطة وجحشاً معهما فحلاهما واتياني بهما، وإن قال لكما أحد شيئاً فقولا الرب محتاج إليهما، فللوقت يرسلهما. فكان هذا كله لكي يتم ما قيل بالنبي القائل: قولوا لابنة صهيون هوذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً على أتان وجحش ابن أتان. فذهب التلميذان وفعلا كما أمرهما يسوع وأتيا بالأتان والجحش ووضعا عليهما ثيابهما في الطريق وآخرون قطعوا أغصاناً من الشجر وفرشوها في الطريق، والجموع الذين تقدموا والذين تبعوا كانوا يصرخون قائلين: "أوصنا لابن داود، مبارك الآتي باسم الرب، أوصنا في الأعالي، ولما دخل أورشليم، ارتجت المدينة كلها قائلة من هذا؟ فقالت الجموع هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل" (مت٢١: ١-١١).  

 وهكذا نرى أنه عندما دخل المسيح إلى أورشليم، دخل كملك وديع، فالتفت حوله الجموع يفرشون ثيابهم في الطريق ويقطعون أغصان الشجر ويفرشونها في الطريق أيضاً، كما أنهم كانوا يصرخون: "أوصنا لابن داود، مبارك الآتي باسم الرب، أوصنا في الأعالي". ومن هنا جاءت فكرة عيد الشعانين، وأصبح المؤمنون يحتفلون قبل الفصح بأسبوع، بعيد دخول المسيح إلى أورشليم

لماذا سار الناس وراء يسوع عند دخوله أورشليم؟

المكتب الإعلامي أبرشية دمشق إن دخول المسيح أورشليم كانت تتمة لإحدى نبوات العهد القديم الواردة في سفر زكريا القائلة: "ابتهجي جداً يا صهيون، اهتفي يا بنت أورشليم. هوذا ملكك يأتي إليك، هو عادل ومنصور، وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان" (زكريا٩: ٩).  

وهكذا تمت نبوة زكريا هذه بدخول المسيح إلى أورشليم. لقد تبعته الجموع لأغراض كثيرة، بعضهم استمع إلى تعاليمه وآمن به، والبعض الآخر تبعه لغاية الشفاء وسد الاحتياج، لاسيما بعد أن سمعوا عن قدرته على صنع العجائب. فكان في نظرهم الشخص المناسب لسد احتياجاتهم الماديّة. والبعض الآخر اعتقد بأن المسيح سيأتي ملكاً أرضياً يخلّص الناس من حكم الرومان، ويجعل النصرة للأمة اليهوديّة، ولكن خاب ظن هؤلاء عندما قال لهم يسوع إن مملكته ليست من هذا العالم.

ما معنى: "أوصنا في الأعالي، مبارك الآتي باسم الرب؟

المعروف بأن المسيح هو من نسل داود، لذلك يُشار إليه ابن داود. وأما معنى كلمة أوصنا في الأعالي فهو: "لتصرخ الملائكة في العلاء منادية لله، خلّصنا الآن". وهي دعوة شعب متضايق يطلب من ملكه أو إلهه أن يهرع إلى خلاصه. ومعنى كلمة أوصنا بحد ذاتها هو خلصنا الآن، وهي مقتبسة من المزمور ١١٨: "آه يا رب خلص، آه يا رب أنقذ" (مزمور٢٥:١١٨). أما معنى بقية التحيّة، "مبارك الآتي باسم الرب" فهي أيضاً اقتباس من المزمور ١١٨ "مبارك الرب الذي يأتي إلى أورشليم" (مزمور ٢٦:١١٨).

هل هناك رمز معين لفرش الثياب وأغصان الأشجار في الطريق أمام المسيح؟

المكتب الإعلامي أبرشية دمشقفي الواقع إن عادة فرش الثياب وأغصان الشجر في الطريق أمام زائر كانت متبعة في العهد القديم. وهي تقليد يشير إلى المحبّة والطاعة والولاء. ويذكر الكتاب المقدّس في سفر الملوك الثاني أن الجموع فرشوا ثيابهم وأغصان الشجر وسعف النخل أمام "ياهو" أحد رجال العهد القديم عندما نصّب نفسه ملكاً (٢ملوك ١٣:٩). وأيضاً عندما دخل سمعان المكابي وهو قائد ثورة المكابيين إلى أورشليم بعد انتصاراته على الحاكم (انتيخوس أبيفانوس) الذي نجّس الهيكل وذبح الخنازير على المذبح وجعل أروقته مواخير للدعارة، وكان ذلك سنة ١٧٥ قبل الميلاد.

وهكذا عندما دخل المسيح أورشليم أنشد الناس المزامير وفرشوا الثياب وأغصان الشجر وحملوا سعف النخل، لأن المسيح هو الملك السماوي الذي جاء لكي يطهر الهيكل من نجاساته. وأن عمل المسيح هذا هو أيضاً تتمة لنبوة ملاخي الواردة في العهد القديم القائلة: "ويأتي بغتة إلى هيكله السَيّد الذي تطلبونه، وملاك العهد الذين تسرون به" (ملاخي١:٣). وهكذا فإن عيد الشعانين هو رمز لدخول المسيح الانتصاري إلى أورشليم. فهو إله ورب هاد وفاد، معلم ومخلص، كاهن وملك، يملك على قلوب المؤمنين به. فما أجمل أن نتبعه ونسير في خطاه ونهتف مع جموع المؤمنين: أوصنا في الأعالي مبارك الآتي باسم الرب.

 

تابع أيضاً

رح نرجع نعمرها

صاحب الغبطة وصاحب السيادة يحتفلان بالقداس الإلهي في كنيسة القدّيس ....

10 تشرين ثاني 2020
عيد القدّيسة صوفيا وبناتها إيمان ورجاء ومحبّة

صاحب الغبطة يحتفل بعيد القدّيسة ....

17 أيلول 2020
عيد الصليب المقدّس

صاحب الغبطة يحتفل بعيد الصليب المقدّس في بلدة معلولا - ريف ....

14 أيلول 2020
ميلاد السيّدة العذراء

صاحب الغبطة يحتفل بعيد ميلاد السيّدة العذراء في كاتدرائيّة ....

8 أيلول 2020
عيد رُقاد وانتقال السيّدة العذراء

صاحب الغبطة وصاحب السيادة والكهنة يحتفلون بعيد ....

15 آب 2020
نداء

صاحب الغبطة يوجّه نداء عالمي لدعم أهل بيروت عقب تفجير مرفأ بيروت

12 آب 2020
يوم افتقاد

صاحب الغبطة يتفقّد المتضرّرين من جراء كارثة مرفأ بيروت

8 آب 2020
عيد التجلّي

صاحب الغبطة وصاحب السيادة يحتفلان بقدّاس عيد تجلّي الرب في كاتدرائيّة ....

6 آب 2020
يا والدة الإله الفائقة القداسة خلصينا

صاحب الغبطة وصاحب السيادة يحتفلان بالقدّاس ....

2 آب 2020


تابعونا على مواقع التواصل الأجتماعي

© 2024 -بطريركية الروم الملكيين الكاثوليك